الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية أم العرايس، "فلّوجة تونس": معتصموها في السجون.. وأطفالها مشوّهون

نشر في  25 جوان 2014  (18:02)

عدا نفر قليل منهم، خلت الندوة الصحفية التي سلّطت الضوء اليوم على "محاكمات الحراك الاجتماعي بمنطقة البركة من معتمديّة أم العرايس في قفصة من ايّة مواكبة اعلاميّة او حضور حقوقي او مدني.

حضور باهت دفع بالاستاذ شرف الدين القليل محامي ابناء قرية البركة بقفصة الى توجيه رسائل مباشرة الى المجتمع المدني و الاعلامي للوقوف الى جانبهم قبل ان تستفرد بهم "ماكينة" السلطة عبر الترحيل القصري والسجن والتتبع القضائي والتهميش..

بوجوه سمراء لفحتها شمس الجنوب الحارقة و نظرات يغمرها التحدي رغم الاحساس بالضيم، تكلّم اليوم عدد من شبان البركة مستعيدين لحظات عصيبة مما اعتبروه مظلمة في حق 500 ساكن.

يقول عبد السلام سالم: "مشكلتنا الطارئة هي انقاذ 13 من ابناء قرية البركة من براثن الزنزانة بعد ان تم الحكم عليهم بالسجن لمدة عشرة سنوات في بسبب احتجاجهم السلمي على ما تسببت فيه شركة فسفاط قفصة من اضرار لهم ولأنشطتهم الفلاحية."

صحيح ان النشاط الزراعي كان لعقود مورد الرزق الرئيس لحوالي 500 متساكن، لكنه لم يعد كذلك . لقد تحولت الاراضي الزراعية الى بور و نفقت المواشي بسبب الاتربة الملوثة التي تنفثها مداخن "الكبانية".و جفت الابار السطحية جرّاء الابار العميقة الستة عشر التي حفرتها الشركة لغسل الفسفاط في منتصف التسعينات. اما المساكن فقد تصدعت بسبب التفجيرات اليومية بمقاطع الفسفاط. هذا فضلا عن الامراض التنفسية والجلدية التي ما انفكت تنتشر لدى السكان. تلك تفاصيل مؤرّقة ناءت بها نفوس اهالي البركة

قرية البَرَكة لم تعد مٌبَاركة على اهلها. الفسفاط/الذهب الاسود صار نقطة سوداء في حياتهم. الهجرة من ارض الاجداد هي الحل ولو كان مرّا و قصريا. لم يبق من اهالي البركة سوى 150 فردا. لا الامكانات المادية سانحة للجوء الى مكان اخر، ولا الاستعدادات النفسية سمحت لهم بترك ماضيهم و تاريخهم و اراضيهم خلفهم.

فلتكن المواجهة مع السلطة اذن هي طوق النجاة ولو كانت الطريق اليها وعرة. في 2008 خاض من تبقى من السكان عدة تحركات مطالبين بحق الشغل تعويضا عن اراضيهم التي فسدت او جبر الضرر لهم علّ التعويضات تفتح لهم سبلا اخرى للاسترزاق.

 كان رد شركة فسفاط قفصة حينها تشغيل عدد من الشبان في شركة البئية و منح تعويضات زهيدة لاخرين (مبالغ مالية لم تتجاوز الاربعمائة دينار).

وبما ان تعاطي السلطة مع المتضررين كان مستخِفَّا بعقول و قضايا و خسائر الاهالي، فقد ابتهج سكان البركة باندلاع ثورة اطلق عليها "ثورة الحرية والكرامة"، فعادوا الى التحرك والاحتجاج، وعادت السلطة الى التسويف و المماطلة. لكل سلاحه. هم باصواتهم واجسادهم وشعاراتهم وسواعدهم وهي بتخطيطاتها ومناوراتها ووعودها وواليها توفيق خلف الله الذي وعدهم  بحفر بئرين عميقين لريّ الاراضي قبل حتى الارتواء، وتشغيل 35 شابا في شركة البيئة والغراسة والتعويض المادي عن الاضرار.

كعادتها وعدت السلطة واخلفت، ثم اتّجهت الى الصٌلح وعوّضت لبعض المتضررين ولو بقسط اولي ، ثم تراجعت و طالبت باعادة ما انفقت.. كرّ وفرّ. اعتصام وتعليق. احتجاج و هدنة بينما توقفت مضخات مياه غسيل الفسفاط.

 الى ان حلّ تاريخ 06 ماي 2012 الذي حضر فيه الزجر واعتقل اثنان من المعتصمين و أٌوقف 5 اشخاص كانوا مارين بمكان الاعتصام، وأطلق الرصاص على شاب كان يرعى الاغنام، خطأه انه تجاسر على رعي اغنامه بارض فارعها الكلأ نتيجة التلوث البيئي؟ !؟ يا للعجب.

وسرعان ما اطلق سراح الموقوفين تحت ضغط الاهالي لكنهم فوجؤوا بقضيّة عدليّة يرفعها ضدهم رائد بالحرس الوطني بام العرائس. وتتالت التهم، ثم التحقيق فالحكم على 13 عشر متهم بالسجن لمدة 10 سنوات.

الغريب في الامر ان المتهمين ينتمون الى عائلة واحدة تقريبا، فيها الاخ و الابن والاب و ابن العم، تجمعهم كلهم قلة ذات اليد والبطالة، بل فيهم من هو ميت ومن هو معتوه و محكوم عليهما، وفق ما ذكره الاستاذ شرف الدين القليل.

امّا من اجهضت جنينها بسبب وابل القنابل المسيلة للدموع  ومن انجبت وليدها مشوها جراء تلوث الهواء والماء والتربة و من لزم المستشفى بسبب التعنيف. فهم مجرد ارقام في سجلات المستشفيات.

محمد الجلالي